• ×

03:52 صباحًا , السبت 27 أبريل 2024

زاوية عبق الفوائد || مقال || ماذا لو عاد معتذراً ؟

للكاتب علي مصلح عامر العلياني

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 الحمد الله رب العالمین ، والصلاة والسلام على عبده
ورسوله وخلیله وصفوته ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبیله واھتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد قال بعض البلغاء : الزم الصمت؛ فإنّه يُكسبك صفو المحبّة ، ويؤمّنك سوء المغبّة ، ويُلبسك ثوب الوقار ، ويكیفك مئونة الاعتذار كثیراً ما نسمع في وسائل التواصل الاجتماعي ماذا لو عاد معتذراً يعتقد كثیرون أن الاعتذار نقطة ضعف لا يجب إظهارھا، كونها دلیل انكسار وھزيمة لا تلیق بهم، ومن ھذا المنطلق فإن أشد المكابرين الرافضین للاعتذار، ھم من الذين يصنفون أنفسهم كطبقة مثالیة لا تخطئ وإن أخطئت فهي سامیة لا تعتذر لمن ھم دونها مرتبة، وفي ھذا شيء من صفات الشیطان ألا وھو الكِبَر ، الاعتذار لیس دلیل ضعف أو فشل، كي نخجل منه
في أن نعلم أن مجرد الاعتذار، ھو اعتراف بالخطأ
ورجوع عنه، وبالتالي فإن ترجمة ھذا الشعور إلى فعل حسي ملموس، يحتاج إلى قوة محركة تجبر النفس على النزول إلى الحق ومحاسبة ذاتها، وھذا لا يكون إلا عند من ملك صفة الشجاعة. إذا كنت من الذين يَجّبُرون الإساءة بالاعتذار فاعلم أنك شجاع.
في بعض المجتمعات يعتبر الاعتذار جزءاً من مقوماتها وثقافتها الفكرية، فتراھم يزرعون في أطفالهم ثقافة الاعتذار منذ الصغر، ومن دوام استمرار العلاقات إحسان الظن وإلتماس الأعذار وثقافة الإعتذار
وقد قیل :
أَحْسِن بِنا الظنَّ إنّا فیكَ نُحْسِنُهُ
إنَّ القُلوبَ بِحُسْنِ الظَّنِّ تَنْسَجِمُ
وَالْمَسْ لَنا العُذرَ فِي قَولٍ وَفِي عَمَلٍ
نلْمَسْ لَكَ العُذْرَ إنْ زَلَّتْ بِكَ القَدَمُ
لا تَجعَل الشَّكَّ يَبني فیكَ مسْكَنَهُ
إنَّ الحیاةَ بِسُوءِ الظَّنِّ تَنْهَدِمُ
الاعتذار لیس كلمة تقال في زحمة الحديث وتبرير الخطأ، أو البحث عن مخرج من الورطة التي سببها سلوك ما خاطئ، الاعتذار يعني الاقتناع التام بأن
ھناك خطأ ينبغي تصحیحه، وھو ما أوجب الاعتذار، وبالتالي فإن نوع الاعتذار لابد وأن يقترن بنوع الخطأ وحجمه. أن نخطئ فنعتذر لا يعني أننا أشخاص سیئون، بل جیدون لأننا نحاول إصلاح أخطائنا، فلیس من بشر معصوم عن الخطأ بعد الرسل

قبول الإعتذار
مثلما أن الاعتذار واجب، فإن قبول الاعتذار والصفح أوجب، لأنه خلق الكرماء والنبلاء، وقبول اعتذار المعتذر لا يعني قبولاً بالأمر الواقع أو ابتلاعاً للإھانة، بل تسامح وإنصاف وحفظ للود وروابط الأخوة والصداقة. في حالة الوالدين فإن قبول اعتذار الأبناء ھو مساعدة لهم على البر بهما.
ثقافة الاعتذار ممارسة تحتاجها مجتمعاتنا كثیراً، وينبغي زرعها في نفوس الأطفال، وبحیث تصبح جزءاً من ثقافتهم فتنعكس إيجابیاً على مجمل علاقاتهم الاجتماعیة لاحقاً، وعندھا فقط سیستطیعون ممارسة الاعتذار بلا تردد ودون شعور بضعف أو خجل، فإن الدين المعاملة. الاعتذار الصحیح له شروط لابد من توفرھا، وأھمها: سرعة المبادرة بالاعتذار، عدم محاولة تبرير
الخطأ، الصدق في الاعتذار، عدم التعالي أو التلاعب بالكلمات، اختیار الوقت والطريقة المناسبتین فلیست كل الأخطاء واحدة. الاعتذار فن إنساني لا يتقنه جمیع البشر، رغم أنه لا يتطلب علماً أو ثقافةً كبیرين، بل شيء من أدب وتواضع، وقدرة على كبح جماح النفس الأمارة بالسوء ويقول الحسن بن علي رضي الله عنهما فیما يُروى عنه : ( لو أن رجلاً شتمني في أذني ھذه واعتذر إليَّ في الأخرى لقبلت عذره)
قال الإمام الشافعي رحمه الله
إِقبَل مَعاذيرَ مَن يَأتیكَ مُعتَذِراً
إِن بَرَّ عِندَكَ فیما قالَ أَو فَجَرا
لَقَد أَطاعَكَ مَن يُرضیكَ ظاھِرُهُ
وَقَد أَجَلَّكَ مَن يَعصیكَ مُستَتِرا

ويقول الأحنف بن قیس رحمه الله (إن اعتذر إلیك معتذر تلقه بالبِشْر)

بقلم /علي بن مصلح عامر العلیاني
١٤٤٣/١٢/١هـ
بواسطة : admin
 0  0  826
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 03:52 صباحًا السبت 27 أبريل 2024.