• ×

11:38 صباحًا , الجمعة 29 مارس 2024

غاب عني استقباله المعتاد إذ كان مسجّى على النعش

مقال للكاتب / سعد ظافر بن زاهر

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
محمد شيبان ترى من بعدك أبا علي ؟.. ليكن من يكن "ما عاد تفرق"

وأكثر شطر سمعته هذه الأيام ، أنشهد أنه فارق الصف رجال

كثيرةٌ هي الأخبار حين تعلمها ، ولكن ثمة أخبار يصعب على العقل استيعابها ، رجلٌ أشم ،دمث الخلق، شهم ،رقيق، قريب، أريب ، خفي الصوت ، قوي العزيمة ، علاقاته كأشعة الشمس تصل الجميع غير أن الشمس تغيب وعلاقاته لا تغيب ، سعيٌ في قضاء الحوائج وعيادة المرضى واتباع الجنائز ، وأخذٌ على يد العاصي والمخالف والمتعالي ، بل وابتسامةٌ ساحرةٌ في وجه كل صاحبٍ قريب .

ذاك هو : محمد بن مقبول بن سالم ، ثم يقال عن مثله أنه قد مات ؟!
مات ؟ ؟ متى ؟ أين ؟ وكيف ؟ مثله لا يموت ، هو حاضرٌ حيٌ في الوجود ..
فله في كل مكان أثرٌ يشهد بوجوده ، وله في نفس كل أحدٍ ذكرٌ يلهج له بالدعاء ، وله في مصارف الخير أوقافٌ وأفعال .
هل يموت من وَرَّث للأمة علماء كأبنائه ولا نزكيهم على الله ؟
هل يموت من جعل من نفسه وأهل بيته مثلاً للصلاح والتربية ؟
هل يموت من جافى الضغائن والشحناء وكثيرًا مما يقع فيه الناس ؟

مرّت بنا كل الصوارف تصرفنا وهو ثابت لا ينشغل ، عجزت شياطين الإنس والجن أن تجعله خصمًا في الباطل أو خاملاً عن نصرة الحق ، له ذات المسافة مع كل من حوله ، لا يبالغ ولا يقصِّر .

حين رُزقتُ الولد وردتني الرسائل والمشاعر ، غير أنّ أبا علي له بصمته الخاصة باتصال صوتي ومشاعر صادقة لا أنساها ، يقول لي بذاك الصوت العذب الرقيق "مبارك ، والله ان كنه جاني شيٍ كثير" لم أنس له ذاك الإتصال ولا تلك المشاعر ، ولست وحدي فله مع كل من حوله مواقف مشابهة تشهد له بالقرب والتواصل .

وكنت إذا فاتتني صلاة الجماعة أستحي أن ألتقيه مع أنه لم يعاتبني يومًا بشأنها ولا بغيرها ، ألا أستحي من رجلٍ شهد له إمام المسجد أن صلاة الجماعة لم تفته منذ عشرين عامًا ؟! إلا أن يمرض أو يسافر !

في كل مرة يأتي إلى الديرة نلتقيه في المسجد ويكون يومًا مميزًا بالسلام عليه ومن معه ، والآن غاب عني استقباله المعتاد اذ كان مسجّى على النعش ..

بكل بساطة .. عاش خفيفًا لطيفًا حتى في وزنه ، وذهب ثقيلاً مديدًا في أثره .

وبعد أسبوع من الفراق قولوا بربكم : هل نسيتم ؟! حسنًا كيف تذكرتم ؟! بالبكاء والعويل ؟ أم بالصراخ والتهويل ؟ أم في أحسن الاحوال بالدعاء والتسبيح والتهليل ؟
إنّ لموتانا حق في تذكارهم ، كلهم ؟ نعم كلهم .
فهم في البرزخ جيران
وفرص التزود في حقهم توقفت
وكل ما نقدمه لهم فهو لنا

وأثمن ما يمكن تقديمه بتذكرهم هو أن نجهز أنفسنا .
وهنا أتوقف …
بواسطة : admin
 0  0  1.8K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:38 صباحًا الجمعة 29 مارس 2024.